فصل: الوجه الثامن والعشرون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **


*2* الوجه الثامن والعشرون

قول دانيال أيضا‏:‏‏(‏‏(‏سألت الله وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من بني إسرائيل، وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملكهم ويبعث فيهم الأنبياء، أو يجعل ذلك في غيرهم، فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه، فقال‏:‏

السلام عليك يا دانيال، إن الله يقول‏:‏ إن بني إسرائيل أغضبوني وتمردوا علي، وعبدوا من دوني آلهة أخرى، وصاروا من بعد العلم إلى الجهل، ومن بعد الصدق إلى الكذب، فسلطت عليهم بختنصر، فقتل رجالهم، وسبي ذراريهم، وهدم مسجدهم، وحرق كتبهم، وكذلك يفعل من بعده بهم‏.‏

وأنا غير راضٍ عنهم، ولا مقيلهم عثراتهم، فلا يزالون في سخطي حتى أبعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم عليهم عند ذلك باللعن والسخط، فلا يزالون ملعونين عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث نبي بني إسماعيل الذي بشرت به هاجر، وأرسلت إليها ملاكي فبشرها‏.‏

فأوحى إلى ذلك النبي، وأعلمه الأسماء، وأزينه بالتقوى، وأجعل البر شعاره، والتقوى ضميره، والصدق قوله، والوفاء طبيعته، والقصد سيرته، والرشد سنته، أخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب، وناسخ لبعض ما فيها‏.‏

أسري به إليّ، وأرقيه من سماء إلى السماء حتى يعلو فأدينه وأسلم عليه، وأوحى إليه وأرقيه، ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة، حافظا لما استودع، صادقا بما أمر، يدعو إلى توحيدي باللين من القول والموعظة الحسنة، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالسواق، رؤف بمن والاه، رحيم بمن آمن به، خشن على من عاداه، ‏(‏ص 84‏)‏ فيدعو قومه إلى توحيدي وعبادتي، ويخبرهم بما رأى من آياتي، فيكذبونه ويؤذونه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم سرد دانيال قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أملاه عليه الملك حتى وصل آخر أيام أمته بالنفخة وانقضاء الدنيا‏.‏

وهذه البشارة أيضا عند اليهود والنصارى يقرؤنها ويقرون بها، ويقولون‏:‏ لم يظهر صاحبها بعد‏.‏

قال أبو العالية‏:‏ لما فتح المسلمون تستر، وجدوا دانيال ميتاً، ووجدوا عنده مصحفا، قال أبو العالية‏:‏ أنا قرأت ذلك المصحف وفيه صفتكم، وأخباركم، وسيرتكم، ولحون كلامكم، وكان أهل الناحية إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون، فكتب أبو موسى الأشعري في ذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر‏:‏ أن احفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا وادفنه بالليل في واحد منها لئلا يفتتن الناس به‏.‏

*2* الوجه التاسع والعشرون

قال كعب‏:‏ وذكر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، ويريد بها التوراة التي هي أعم من التوراة المعينة‏:‏‏(‏‏(‏أحمد عبدي المختار، لافظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، يعفو ويغفر‏.‏

مولده بكاء، وهجرته طابا، وملكه بالشام، وأمته الحمادون يحمدون الله على كل نجد، ويسبحونه في كل منزلة، ويوضؤن أطرافهم، ويأتزرون على أنصافهم، وهم رعاة الشمس، ومؤذنهم في جو السماء، وصفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، رهبان بالليل، أسد بالنهار، ولهم دوي كدوي النحل، يصلون الصلاة حيث ما أدركتهم ولو على كناسة‏)‏‏)‏‏.‏

*2* الوجه الثلاثون

قال ابن أبي الزناد‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عمر بن حفص، وكان من خيار الناس، قال‏:‏ كان عند أبي وجدي ورقة يتوارثونها قبل الإسلام فيها‏:‏ ‏(‏‏(‏اسم الله وقوله الحق، وقول الظالمين في تبار، هذا الذكر لأمة تأتي في آخر الزمان يتزرون على أوساطهم، ويغسلون أطرافهم، ويخوضون البحور إلى أعدائهم، فيهم صلاة لو كانت في قوم نوح ما هلكوا بالطوفان، وفي ثمود ما هلكوا بالصيحة‏)‏‏)‏‏.‏

*2*  الوجه الحادي والثلاثون

قال شعيا وذكر قصة العرب فقال‏:‏‏(‏‏(‏ويدوسون الأمم دياس البيادر، وينزل البلاء بمشركي العرب، وينهزمون بين يدي سيوف مسلولة، وقسي مؤترة من شدة الملحمة‏)‏‏)‏ وهذا إخبار عما حل بعبدة الأوثان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر، ويوم حنين، وفي غيرهما من الوقائع‏.‏

*2* الوجه الثاني والثلاثون

قوله في الإنجيل الذي بأيدي النصارى عن يوحنا‏:‏‏(‏‏(‏أن المسيح قال للحواريين‏:‏ من أبغضني فقد أبغض الرب، ولولا إني صنعت لهم صنائع ‏(‏ص 85‏)‏ لم يصنعها أحد لم يكن لهم ذنب، ولكن من الآن بطروا فلا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس لأنهم أبغضوني مجافا‏.‏

فلو قد جاء المنجمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب روح القسط فهو شهيد عليّ وأنتم أيضا لأنكم قديما كنتم معي، هذا قولي لكم لكيلا تشكوا إذا جاء‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏‏(‏والمنجمنا‏)‏‏)‏ بالسريانية، وتفسيره بالرومية‏:‏ بالبارقليط، وهو بالعبرانية‏:‏ الحماد والمحمود والحمد كما تقدم‏.‏

*2* الوجه الثالث والثلاثون

قوله في الإنجيل أيضا‏:‏‏(‏‏(‏إن المسيح قال لليهود‏:‏ وتقولون كنا في أيام آبائنا لم نساعدهم على قتل الأنبياء، فأتموا كيل آبائكم يا ثعابين بني الأفاعي، كيف لكم النجاة من عذاب النار‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏‏(‏وسأبعث إليكم أنبياء وعلماء، تقتلون منهم، وتصلبون، وتجلدون، وتطلبونهم من مدينة إلى أخرى، لتتكامل عليكم دماء لمؤمنين المهرقة على الأرض من دم هابيل، والصالح إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه عند المذبح، إنه سيأتي جميع ما وصفت على هذه الأمة يا أورشليم التي تقتل الأنبياء وترجم من بعث إليك، قد أردت أن أجمع بنيك كجمع الدجاجة فراريخها تحت جناحها وكرهت أنت ذلك، سأقفر عليكم بيتكم، وأنا أقول لا تروني الآن حتى يأتي من يقولون له مبارك، يأتي على اسم الله‏)‏‏)‏‏.‏

فأخبرهم المسيح أنهم لابد أن يستوفوا الصاع الذي قدر لهم، وأنه سيقفر عليهم بيتهم أي يخليه منهم، وأنه يذهب عنهم فلا يرونه حتى يأتي المبارك الذي يأتي على اسم الله، فهو الذي انتقم بعده لدماء المؤمنين‏.‏

وهذا نظير قوله في الموضع الآخر‏:‏‏(‏‏(‏إن خيرا لكم أن أذهب عنكم حتى يأتيكم الفارقليط، فإنه لا يجيء ما لم أذهب‏)‏‏)‏‏.‏

وقوله أيضا‏:‏‏(‏‏(‏ابن البشر ذاهب، والفارقليط من بعده‏)‏‏)‏

وفي موضع آخر‏:‏‏(‏‏(‏أنا أذهب وسيأتيك الفارقليط‏)‏‏)‏ والفارقليط والمبارك الذي جاء بعد المسيح هو محمد صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره‏.‏

*2* الوجه الرابع والثلاثون

قوله في إنجيل متى‏:‏‏(‏‏(‏أنه لما حبس يحيى بن زكريا بعث بتلاميذه إلى المسيح وقال لهم‏:‏ قولوا له أنت أيل أم نتوقع غيرك‏؟‏ فقال‏:‏ المسيح الحق اليقين أقول لكم‏:‏ إنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا، وإن التوراة وكتب الأنبياء تتلو بعضها بالنبوة والوحي حتى جاء يحيى، وأما الآن فإن شئتم فأقبلوا، فإن أيل مزمع أن يأتي، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع‏)‏‏)‏‏.‏

وهذه بشارة بمجيء الله سبحانه الذي هو ‏(‏‏(‏أيل‏)‏‏)‏ بالعبرانية، ومجيئه هو مجيء رسوله وكتابه ودينه، ‏(‏ص 86‏)‏ كما في التوراة‏:‏‏(‏‏(‏جاء الله من طور سيناء‏)‏‏)‏‏.‏

قال بعض النصارى‏:‏ إنما بشر بإلياس النبي؛ وهذا لا ينكر من جهل أمة الضلال، وعباد خشبة الصليب التي نحتتها أيدي اليهود؛ فإن إلياس قد تقدم إرساله على المسيح بدهور متطاولة‏.‏

*2* الوجه الخامس والثلاثون

قوله في نبوة أرميا‏:‏‏(‏‏(‏قبل أن أخلقك قد عظمتك من قبل أن أصورك في البطن، وأرسلتك وجعلتك نبيا للأجناس كلهم‏)‏‏)‏، فهذه بشارة على لسان أرميا لمن بعده، وهو إما المسيح وأما محمد صلوات الله وسلامه عليهما، لا يعدوهما إلى غيرهما، ومحمد أولى بها، لأن المسيح إنما كان نبيا لبني إسرائيل، كما قال تعالى‏:‏‏(‏ورسولاً إلى بني إسرائيل‏)‏ والنصارى تقر بهذا‏.‏

ولم يدع المسيح أنه رسول إلى جميع أجناس أهل الأرض؛ فإن الأنبياء من عهد موسى إلى المسيح إنما كانوا يبعثون إلى قومهم؛ بل عندهم في الإنجيل أن المسيح قال للحواريين‏:‏

‏(‏‏(‏لا تسلكوا إلى سبيل الأجناس، ولكن اختصروا على الغنم الرابضة من نسل إسرائيل‏)‏‏)‏، وأما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله إلى جميع أجناس الأرض، وطوائف بني آدم، وهذه البشارة مطابقة لقوله تعالى‏:‏‏(‏قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا‏)‏‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏‏(‏بعثت إلى الأسود والأحمر‏)‏‏)‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏‏(‏وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد اعترف النصارى بهذه البشارة ولم ينكروها؛ لكن قال بعض زعمائهم إنها بشارة لموسى بن عمران وإلياس واليسع، وأنهم سيأتون في آخر الزمان، وهذا من أعظم البهت والجرأة على الله والافتراء عليه؛ فإنه لا يأتي من قد مات إلى يوم الميقات المعلوم‏.‏

*2* الوجه السادس والثلاثون

قول المسيح في الإنجيل الذي بأيديهم وقد ضرب مثل الدنيا فقال‏:‏‏(‏‏(‏كرجل اغترس كرما وسيج حوله، وجعل فيه معصرة، وشيد فيه قصرا، ووكل به أعوانا، وتغرب عنه، فلما دنى أوان قطافه بعث عبده إلى أعوانه الموكلين بالكرم‏)‏‏)‏، ثم ضرب مثلا للأنبياء ولنفسه، ثم للنبي الموكل آخرا بالكرم، ثم أفصح عن أمته

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأقول لكم سيزاح عنكم ملك الله، وتعطاه الأمة المطيعة العاملة‏)‏‏)‏، ثم ضرب لنبي هذه الأمة مثلا بصخرة وقال‏:‏‏(‏‏(‏من سقط على هذه الصخرة سينكسر، ومن سقطت عليه ينهشم‏)‏‏)‏‏.‏

وهذه صفة محمد ومن ناوأه وحاربه من الناس لا تنطبق على أحد بعد المسيح سواه‏.‏

*2* الوجه السابع والثلاثون

قول شعيا في صحفة‏:‏‏(‏‏(‏لتفرح أرض البادية العطشى ولتبتهج البراري والفلوات، لأنها ستعطي بأحمد محاسن لبنان ومثل حسن الدساكير‏)‏‏)‏ ‏(‏ص 87‏)‏ وتالله ما بعد هذا إلا المكابرة، وجحد الحق بعد ما تبين‏.‏

*2* الوجه الثامن والثلاثون

قول حزقيل في صحفه التي بأيديهم‏:‏‏(‏‏(‏يقول الله عز وجل -بعد ما ذكر معاصي بني إسرائيل وشبههم بكرمة غذاها وقال لم -تلبث الكرمة أن قلعت بالسخطة، ورمي بها على الأرض، و أحرقت السمائم ثمارها، فعند ذلك غرس في البدو وفي الأرض المهملة العطشى، وخرجت من أغصانها الفاضلة نار أكلت تلك الكرمة، حتى لم يوجد فيها غصن قوي ولا قضيب‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا تصريح لا تلويح به صلى الله عليه وسلم، وببلده وهي مكة العطشى المهملة من النبوة قبله من عهد إسماعيل‏.‏

*2* الوجه التاسع والثلاثون

ما في صحف دانيال وقد نعت الكشدانين الكذابين فقال‏:‏‏(‏‏(‏لا تمتد دعوتهم ولا يتم قربانهم، وأقسم الرب بساعده أن لا يظهر الباطل ولا يقوم لمدع كاذب دعوة، أكثر من ثلاثين سنة‏)‏‏)‏

وفي التوراة ما يشبه هذا‏.‏

وهذا تصريح بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الذين اتبعوه بعد موته أضعاف أضعاف الذين اتبعوه في حياته، وهذه دعوته قد مرت عليها القرون من السنين، وهي باقية مستمرة وكذلك إلى آخر الدهر، ولم يقع هذا لملك قط فضلا عن كذاب مفتر على الله وأنبيائه، مفسد للعالم، مغير لدعوة الرسل، ومن ظن هذا بالله فقد ظن به أسوأ الظن، وقدح في علمه، وقدرته وحكمته‏.‏